الأمم المتحدة تدعو إلى مراجعة شاملة لمشروع قانون الإجراءات الجنائية المصري لضمان التزامه بمعايير حقوق الإنسان
وجه المقررون الخاصون لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة مذكرة مشتركة إلى الحكومة المصرية بشأن مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد، وذلك في ظل استمرار مناقشة مجلس النواب لمواد المشروع المثيرة للجدل. وفيما يلي يقدم المركز العربي لدراسات القانون والمجتمع ملخصًا لأبرز النقاط التي تناولتها المذكرة:
- الحبس الاحتياطي:
مشروع القانون الجديد يقلل الحد الأقصى للحبس الاحتياطي للجنح من 6 أشهر إلى 4 أشهر، وللجنايات من 18 شهرًا إلى 12 شهرًا، وللجنايات التي يُحتمل أن يُعاقب عليها بالسجن المؤبد أو الإعدام من 24 شهرًا إلى 18 شهرًا، بينما يظل الحبس الاحتياطي في قضايا استئناف الأحكام بالسجن المؤبد أو الإعدام عند 24 شهرًا كحد أقصى. ورغم الترحيب بتخفيض هذه المدد، إلا أنها لا تزال طويلة وتسمح باستمرار الحبس الاحتياطي المطول، ما يتعارض مع المادة 9 (3) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، التي تنص على أن الاحتجاز السابق للمحاكمة يجب أن يكون استثناءً ولأقصر مدة ممكنة.
اللجنة المعنية بحقوق الإنسان أكدت ضرورة اتخاذ قرارات فردية بشأن الحبس الاحتياطي، تستند إلى مبررات منطقية وضرورية، كمنع فرار المتهم أو التلاعب بالأدلة أو تكرار الجريمة. كما شددت على أن الحبس الاحتياطي المطول دون مراجعة قضائية يقوض مبدأ افتراض البراءة، الذي يُعد حجر الأساس في حماية حقوق الإنسان، ويضمن عدم افتراض الإدانة قبل ثبوتها.
التعديلات المقترحة لا تعالج أيضًا ظاهرة "التدوير" في مصر، حيث تُستخدم لإعادة بدء مدد الحبس الاحتياطي للمتهمين عبر إضافتهم إلى قضايا جديدة بتهم مشابهة، مما يبقيهم رهن الاحتجاز إلى أجل غير مسمى دون محاكمة. هذه الممارسات، الموثقة في تقارير متعددة، تزيد من مخاطر التعذيب والمعاملة اللاإنسانية والإخفاء القسري. ومع التوسع الكبير في سلطات النيابة العامة، تزداد المخاوف من تفاقم هذه الظاهرة، ما يجعل الحاجة ماسة إلى وضع ضمانات قوية ضد هذه الانتهاكات.
- توسيع صلاحيات النيابة:
مشروع القانون المقترح يمنح النيابة العامة سلطات واسعة تشمل تجديد الحبس الاحتياطي لمدة تصل إلى 150 يومًا لبعض الجرائم دون رقابة قضائية، مثل الجرائم المتعلقة بالأمن القومي والإرهاب ونشر الأخبار الكاذبة. هذه الاتهامات الفضفاضة قد تُستخدم لاستهداف المعارضين والصحفيين ونشطاء حقوق الإنسان، مما يعزز القلق من انتهاكات حقوق الإنسان.
كما يسمح المشروع للنيابة بالحبس الاحتياطي لمدة أربعة أيام قبل إحالة المتهم إلى قاضٍ، ما ينتهك حق المثول السريع أمام القضاء بموجب المادة 9(3) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، التي تنص على ضرورة أن يكون الحبس الاحتياطي إجراءً استثنائيًا يستند إلى الضرورة والتناسب.
القانون يمنح النيابة صلاحيات إضافية كإصدار قرارات بالمنع من السفر وتجميد الأصول دون سقف زمني واضح، ما يعارض المادة 62 من الدستور المصري التي تشترط أن تكون هذه الإجراءات محددة المدة ومسببة. هذه الصلاحيات تُسهل استخدام التدابير العقابية بشكل تعسفي ضد الأصوات الناقدة وتؤثر على حقوق الأفراد الاقتصادية والاجتماعية.
كما يمنح المشروع النيابة سلطات فضفاضة لضبط المراسلات ومراقبة وسائل التواصل الاجتماعي، مما يهدد الحق في الخصوصية وحرية التعبير، خاصة مع غياب الضمانات الإجرائية الكافية والرقابة القضائية الفعالة.
ورغم النص على التعويض عن الحبس الاحتياطي غير القانوني، إلا أن الشروط المشددة للحصول على هذا التعويض تُضعف فعاليته، لا سيما لضحايا الحبس المطول أو التدوير.
هذه التعديلات تنتهك المعايير الدولية التي تؤكد ضرورة الفصل بين الادعاء والقضاء، وتضمن رقابة قضائية فعالة وسريعة على الاحتجاز. كما أنها تُسهل انتهاكات حقوق الإنسان، مما يستدعي مراجعة شاملة لضمان احترام الحقوق الدستورية والمعايير الدولية.
- الإجراءات القضائية عن بعد:
مشروع القانون يسمح بعقد جلسات المحاكمة وما قبل المحاكمة عن بعد عبر الفيديو، بناءً على تقدير النيابة والقضاة، ويشمل ذلك جلسات التحقيق والاستجواب، وحتى محاكمة القُصّر. ورغم إمكانية الطعن على قرار المحاكمة عن بعد، إلا أن هذا الطعن يقدم أمام المحكمة ذاتها التي اتخذت القرار. كما أن المادة 529 تلغي شرط توقيع المدعى عليهم والشهود والخبراء والمترجمين على محاضر الجلسات، مقتصرةً على توقيع القضاة والنيابة وسكرتارية الجلسة.
هذه التعديلات تثير مخاوف جدية بشأن انتهاك حقوق الإنسان المنصوص عليها في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، خاصة في المواد المتعلقة بالحق في محاكمة عادلة، وحماية المحتجزين من التعذيب وسوء المعاملة، وضمان مثولهم شخصيًا أمام القضاة. الحضور الشخصي ضروري لضمان التحقيق في ظروف الاحتجاز وتقديم الدفاع بشكل فعال.
إجراء المحاكمات عن بعد قد يتسبب في عوائق عملية كضعف الاتصال، مما يعيق قدرة المحامين على تمثيل موكليهم والتواصل معهم بخصوصية. كما أُفيد بأن القضاة أحيانًا يمنعون المحتجزين من التحدث بحرية في جلسات عن بعد، بحجة ضيق الوقت وكثرة القضايا، ما يُعرض ضمانات المحاكمة العادلة للخطر.
جلسات المحاكمة عن بعد لا ينبغي أن تُعقد إلا بموافقة صريحة من المتهمين، وبشروط تضمن محاكمة عادلة، تشمل الوصول الفعال إلى المحامين. عدم مراعاة هذه الضمانات يعرض المتهمين لخطر انتهاك حقوقهم في الدفاع والمساءلة القضائية ضد التعذيب، ويفاقم من القيود على العدالة الإجرائية.
- الحق في الدفاع والمحاكمة العادلة:
مشروع القانون يمنح النيابة العامة صلاحيات واسعة تؤثر سلبًا على الحق في محاكمة عادلة. المادة 69 تسمح بإجراء تحقيقات في غياب محامي المتهم إذا رأت النيابة ذلك ضروريًا، مما يمكّن من استجواب المحتجزين دون تمثيل قانوني، وهو انتهاك لحقوق الدفاع المنصوص عليها في المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. كما لا ينص المشروع على ضمانات توفر للمتهمين محامين أثناء الاستجواب أو فرصة استشارتهم بشكل خاص، ما يهدد بتقويض العدالة الإجرائية.
المواد 73 و105 تمنح النيابة سلطة تقييد اطلاع المحامين على ملفات القضايا بدعوى "مصلحة التحقيق"، ما يعيق الدفاع عن المتهمين. وتسمح المادة 72 للنيابة بالحد من حق المحامين في الكلام أو الاعتراض أثناء جلسات الاستجواب، مما يؤدي إلى عدم تكافؤ وسائل الدفاع بين الأطراف.
المشروع يوسع القيود المفروضة على حق المتهم ومحاميه في استجواب شهود الإثبات، بما في ذلك إمكانية الاعتماد على شهادات الشهود في محاضر الشرطة دون مثولهم أمام المحكمة. كما يمنح القضاة سلطات واسعة لرفض استدعاء شهود النفي أو الإثبات. هذه القيود تنتهك الحق في مواجهة الأدلة وفق المادة 14 (3) من العهد الدولي، مما يضعف مبدأ تكافؤ وسائل الدفاع.
التمكين الواسع للنيابة من تقييد حقوق الدفاع، وغياب الضمانات الإجرائية الكافية، يُهددان بشكل مباشر ضمانات المحاكمة العادلة ويُخلان بمبادئ العدالة والمساواة أمام القضاء.
- جلسات المحاكمات العلنية:
المادتان 266 و267 من مشروع القانون توسعان القيود المفروضة على نشر المعلومات المتعلقة بجلسات المحاكم. المادة 266 تمنع نقل أو بث وقائع الجلسات دون موافقة كتابية من رئيس المحكمة، بينما تجرم المادة 267 نشر أو مناقشة تفاصيل المحاكمات، خاصة تلك المتعلقة بقانون مكافحة الإرهاب، بحجة حماية "حسن سير العدالة". هذه القيود تعارض المبدأ الدستوري المنصوص عليه في المادة 187 من الدستور، الذي يكفل علنية المحاكمات، كما أنها تتناقض مع المعايير الدولية التي تضمن الحق في جلسات محاكمة علنية وعادلة وفق المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
تقييد نقل وقائع المحاكمات ونشر المعلومات بشكل عام يعوق الوصول إلى المعلومات المرتبطة بالمصلحة العامة ويحد من حرية التعبير، بما في ذلك الحق في انتقاد إجراءات العدالة وأداء القضاة والنيابة العامة. هذه التعديلات قد تردع المحامين والصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان من الكتابة أو نقل المعلومات عن القضايا خوفًا من التعرض للعقوبات، ما يعزز مناخ الرقابة الذاتية ويضعف الشفافية والمساءلة القضائية.
القيود المقترحة لا تتماشى مع المادة 6 (أ) من الإعلان الخاص بحماية حقوق الإنسان، التي تكفل حق الأفراد في الوصول إلى المعلومات المرتبطة بالحقوق والحريات الأساسية. كما أن المادة 9 (3) (ب) من الإعلان تضمن الحق في حضور الجلسات العلنية لتقييم امتثالها للقانون الوطني والمعايير الدولية.
هذه التعديلات تُظهر اتجاهاً نحو الحد من حرية التعبير وتداول المعلومات، مما يضر بالحق في المحاكمة العادلة ويقوض الشفافية في النظام القضائي. لضمان حماية الحقوق، يجب أن تظل علنية المحاكمات قاعدةً، وأي استثناءات يجب أن تكون محدودة ومبررة بما يتماشى مع المعايير الدستورية والدولية.
- الضمانات والمساءلة
مشروع القانون المقترح يضع قيودًا شديدة على مساءلة مسؤولي الدولة عن الانتهاكات المحتملة. المادة 226 تمنع إقامة دعاوى مدنية ضد مسؤولي الدولة عن أفعال ارتكبت أثناء تأدية واجباتهم، بينما تقيد المادة 162 حق الضحايا في الطعن على قرارات النيابة بإغلاق القضايا ضد هؤلاء المسؤولين، أو رفع دعاوى مدنية مستقلة، مما يجعل التحقيقات والإجراءات القانونية في يد النيابة العامة فقط.
هذه التعديلات تقوض حق الضحايا في العدالة والمساءلة، خاصة في حالات الإخفاء القسري والتعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان الأخرى. وتنتهك التزامات مصر بموجب المادة 13 من اتفاقية مناهضة التعذيب والمادة 2 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، التي تضمن حق الضحايا في التظلم والحصول على تعويض فعال عن الانتهاكات. كما تعارض هذه التعديلات إعلان الأمم المتحدة بشأن حماية الأشخاص من الإخفاء القسري، الذي يؤكد على حماية الضحايا والشهود وضمان محاسبة مرتكبي الانتهاكات.
المادة 42 من قانون الإجراءات الجنائية الحالي، التي ستظل دون تغيير جوهري بموجب المادة 44 من مشروع القانون، تمنح النيابة والقضاة سلطة تقديرية للإشراف على مراكز الاحتجاز دون إلزام قانوني بذلك، ما يثير مخاوف بشأن الإشراف الفعلي والوقاية من الانتهاكات داخل مراكز الاحتجاز.
علاوة على ذلك، فإن غموض قوانين مكافحة الإرهاب، إلى جانب التعديلات المقترحة، يزيد من مخاطر الانتهاكات لحقوق الإنسان الأساسية. القيود المفروضة على الكشف عن المعلومات المتعلقة بالقضاة وأعضاء النيابة والشهود والمتهمين في قضايا الإرهاب تعزز مناخ السرية وتقلل من الشفافية، مما يعزز احتمالات التطبيق التعسفي لهذه القوانين.
التعديلات تمثل خطرًا كبيرًا على الحريات الأساسية والمدافعين عن حقوق الإنسان والمحامين والصحفيين، وقد تؤدي إلى تقويض سيادة القانون وزيادة انتهاكات الحقوق في ظل تبريرات مكافحة الإرهاب. لضمان حماية الحقوق وسيادة القانون، ينبغي مراجعة هذه التعديلات بما يتماشى مع المعايير الدولية والالتزامات القانونية لمصر.
وفي ضوء الاعتبارات المذكورة أعلاه، طالبت المذكرة من الحكومة المصرية بعمل مراجعة مستقلة وشاملة لمشروع القانون، مع ضمان توافقه مع التزامات مصر الدولية في حقوق الإنسان، من خلال مشاورات مع الخبراء والمجتمع المدني. كما طالبت بتلقي ملاحظات من الحكومة بشأن المسائل التالية:
- يرجى تقديم أي معلومات و/أو تعليقات إضافية لديكم حول التحليل المذكور أعلاه.
- يرجى توضيح مدى تتوافق التعديلات المذكورة أعلاه على قانون الإجراءات الجنائية رقم 150 لعام 1950 مع التزامات مصر بموجب القانون الدولي، ولا سيما مع المبادئ والمعايير الخاصة بالحماية من الحرمان التعسفي من الحرية والحق في الإجراءات القانونية الواجبة وضمانات المحاكمة العادلة، المنصوص عليها في الصكوك الدولية لحقوق الإنسان، بما في ذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
- يرجى تقديم تفاصيل بشأن أي تدابير اتخذتها حكومة سعادتكم للوقاية من الاستعمال التعسفي للحبس الاحتياطي، بما في ذلك ممارسة "التدوير"، والتي تقوم فيها النيابة بإضافة متهمين محبوسين على ذمة قضايا حالية إلى قضايا أخرى جديدة بتهم شبه متطابقة من أجل إبقاء هؤلاء المتهمين رهن الاحتجاز لأجل غير مسمى، ولضمان عدم استخدام الحبس الاحتياطي كأداة ضد الأصوات الناقدة كوسيلة للتضييق على المعارضة المشروعة والسلمية.
- يرجى توضيح مدى توافق توسيع صلاحيات النيابة مع التزامات مصر الدولية وقانون ومعايير حقوق الإنسان.
- يرجى بيان كيفية إصلاح قانون مكافحة الإرهاب المصري لضمان احترامه مبدأ المشروعية القانونية وتجنب سوء تطبيقه بشكل واسع على أفعال لا تعد إرهابًا بطبيعتها.
- يرجى تقديم معلومات عن أي تعديلات إضافية ستدخل على التشريعات المذكورة أعلاه.
- يرجى توضيح التدابير التي اتخذتها حكومة سعادتكم لمراجعة التعديلات المقترحة على قانون الإجراءات الجنائية المصري في ضوء الملاحظات المذكورة أعلاه.
للإطلاع على النسخة الأصلية من هذه الرسالة بالإنجليزية: